أخبار وطنية عمّار عمروسية (نائب الأمين العام لحزب العمال): انتخابات 23 أكتوبر تمّت على قاعدة الكفر والإيمان

حزب العمال أسّس للامركزية.. ولم نحدّد بعد مرشّحنا للرئاسية..
النهضة لم تساند الثورة واستغلّتها لتقديم نفسها حامية لشرع الله
نطالب الحكومة بالكفّ عن حملة الإيقافات لشبّان قفصة
غاية جبهة الإنقاذ سياسية وليست انتخابيّة
وكأنّ قدر عمّار عروسية المناضل السياسي والقيادي في حزب العمال ألاّ يعيش اللحظات الفارقة في تاريخ تونس، فعندما أعلن بن علي انقلابه على بورقيبة كان عمروسية يقضّي عقوبة السّجن بسبب انتمائه إلى حزب العمّال وعندما هرب بن علي ونجحت الثورة الذي كان أحد المنادين بها والمتشبّثين بنجاحها كان عمار عمروسية موجودا في السجن ولم يخرج منه الاّ أيّاما قليل بعد الثورة.
عمار عروسية أحد المناضلين السياسيين والقيادي في حزب العمال، التقيناه في حوار تحدّث فيه عن سنوات السرّية وعن معاناته التي امتدت من عهد بورقيبة الى سنوات حكم بن علي، وأيضا عن الجبهة الشعبية ومواضيع أخرى تقرأونها في الحوار التالي:
لو تكشف لنا جزءا من سيرة عمار عروسية المناضل؟
ـ لست من الذين يتحدّثون عن أنفسهم لكن ربّما الجزء الخفيّ من حياتي هو سنوات السرّية التي قضيتها والتي تتجاوز الـ10 سنوات دفعت اليها اضطرارا بعد الملاحقات والأحكام الجائرة التي كانت تصدر ضدّي بسبب انتمائي للحزب الشيوعي الذي كان غير معترف به لا من طرف بورقيبة ولا من طرف بن علي، كنت اصغر مجنّد في رجيم معتوق باعتباري وقتها لازلت تلميذا وهناك تعرّفت على المناضل عدنان الحاجي الذي جيء به أيضا لرجيم معتوق وكان ذلك سنة 1980، ومن المفارقات أيضا انني كنت سجينا عندما نصّب بن علي نفسه رئيسا للبلاد ووقع الافراج عني في عهده لكنّه بدوره أعادني للسّجن والتهمة كانت جمع الأدوية للشعب العراقي في عام 1990 وأذكر انه وقع الافراج عني في 16 جانفي 1990 لأقود يوم 17 جانفي مسيرة تنديدا بالعدوان على العراق، وللتواصل التضييقات والإيقافات بعد ذلك ممّا اضطرّني لاختيار حياة السرّية.
ما الذي بقي عالقا في الذاكرة من سنوات الجمر تلك؟
ـ كثيرا هي المواقف التي عشتها في تلك الفترة لكنني لن أنسى أبدا يوم كنت في حالة السرّية متنكّرا وذهبت لجلب ابنتي الصغرى من الروضة وكان عمرها 4 سنوات فقط، ليفاجئني أعوان الأمن وهي بصحبتي ويضعون الأغلال في يدها كان موقفا لا أنساه، كما انني ورغم حصولي على عفو رئاسي في عام 87 الاّ انهم منعوني من العودة الى التدريس ولم أتمكّن من ذلك الاّ بعد الثّورة ومن المفارقات أيضا انني كنت في السجن عندما هرب بن علي بعد ان تمّ ايقافي يوم 27 ديسمبر 2010 بعد ان نظّمت مسيرة ضخمة صحبة رفاقي مطالبين برحيل بن علي.
لاشكّ انه بعد كل هذه المعاناة ستتمتّع بتعويضات؟
ـ عن أيّ تعويضات تتحدّث؟ ان كنت تقصد قانون التعويض او ما اطلق عليه بصندوق الكرامة فأنا لي موقف من ذلك وان كنت اعتقد ان التعويض هو حلّ لكلّ من ظلم وحرم من عمله فانّ لي مؤاخذات كثيرة عن المقاييس التي ستعتمد اذ يبدو انّ فيها محاباة كثيرة لحركة النهضة، كما أنّ الأوضاع الاقتصاديّة الصّعبة التي تمرّ بها البلاد لا تتحمّل مثل هذه الأعباء وأنا أرى انّ جبر الضرر يقتضي اعادة المطرودين من العمل بسبب انتماءاتهم السياسية أما التعويض المادي «فمازال وقتو» شخصيا والكثير من رفاقي لن أقبل فلسا واحدا من التعويض... ولكني لن أزايد بذلك فقط هي قناعة شخصية.
لنعد إلى الثورة التي كنت أحد المساهمين فيها في رأيك هل هي في مسارها السّليم؟
ـ بصراحة لست مطمئنّا على مصير البلاد لأنه امكانية عودة الديكتاتورية ورادة جدّا، فأنا أرى أنّنا لم نبن دولة ديمقراطية.
كيف ذلك؟
ـ لأنّه ببساطة الثورة لم تستكمل اهدافها، نعم حققنا مكاسب مهمّة في مجال الحريات لكنها ليست مؤمّنة ولا محصّنة وامكانية التراجع فيها واردة جدا وبالتالي علينا ان ننتبه لذلك لأنّ من أيسر الأمور عودة الديكتاتورية.
لم التشاؤم؟
ـ لأنّه بصراحة انتخابات 23 أكتوبر حملت الى الحكم من لا يؤمن بالديمقراطية والحرية والتعدّدية، للأسف الشعب أخطأ في اختياراته لأنّه وببساطة انتخابات 23 أكتوبر تمّت على قاعدة الكفر والإيمان، وتمكّنت حركة النّهضة من استغلالها احسن استغلال بتقديم نفسها كحامية لشرع الله وكساعية لتضييقه رغم أنّها لم تشارك في الثورة ولم تكن أصلا مساندة لها.
لكنّهم ساهموا بقواعدهم لغياب قادتهم سواء في المهجر أو تحت المراقبة؟
ـ آخر من يحقّ له الحديث عن ثورة 17 ديسبمر ـ 14 جانفي هم حركة النهضة وكلّ الجماعات الاسلامية، ولعلمك فأثناء الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد كان جزءا كبيرا منهم في المهجر يكتفي ببعض التعاليق على القنوات الفضائيّة وكان ذلك باحتشام كبير وأما البقية الذين نعرفهم «روسهم كانت تحت الزاورة» وأنا عبر جريدتكم أريد ان أسألهم «وين كنتم» لأنّه باستثناءات قليلة لم نلحظ لهم وزنا بل اكثر من ذلك جاءت التعليمات من القيادة بعدم المشاركة في الحراك الشعبي لأنّهم بصدد مقايضة بن علي جينها ولو لم يهرب بن علي لاكتشف الشعب التونسي الوجه الحقيقي لحركة النهضة ودليل على ذلك انّ قناة الجزيرة في سنة 2008 لم تساند ولم تغط أحداث الحوض المنجمي لأنّ التحرّك كانت بصمته ديمقراطية يسارية وغطته في الأيام الأخيرة مثلما فعلت مع الثورة أيضا.
ما هي قراءتك للوضع السياسي للبلاد؟
ـ لاحظنا انّ نسق إعادة الديكتاتورية بعد ان حكمت الترويكا قد تعمّق واصبحنا نتحدث عن الديكتاتورية الزاحفة ونحن نراها من خلال وضع اليد الثقيلة على الإدارة وأجهزة الدولة لفائدة الحزب الحاكم وهي النهضة.. كما لاحظناه في التنامي المريع للجماعات الاسلامية المتشدّدة والتي الى الآن لا نفهم الخطوط الفاصلة بينها وبين حركة النهضة، كما تصاعدت ظاهرة التكفير والعنف التي أصبحنا نراها حتى في المنابر الإعلاميّة.
والعنف انطلق منذ سحل لطفي نقض وانتهى بهذا الكمّ الهائل من القتل والترويع للأمنيين كما انتقل ايضا الى الاغتيال السياسي للشّهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ونحن اعتبرنا منذ ذلك الوقت انّ البلاد والمسار الانتقالي أصبحا في خطر والعائق في ذلك هي حركة النهضة وحلفائها.
ماذا فعلتم كحزب تقدّمي اذا كانت كلّ هذه الأخطار تهدّد المسار الانتقالي؟
ـ أعتقد انّ جبهة الانقاذ التي ضمّت عديد الأحزاب هو الذي سرّع في وجودها وقد التقت هذه الأحزاب ومنها حزب العمّال حول مهمّات محدّدة منها الوقوف ضدّ العنف والارهاب من أجل انهاء المسار الدستوري ومن أجل وضع حدّ لحكومة الترويكا، وأنا أعتقد انّ الحراك الشعبي الذي عرفته البلاد من جويلية الى حين تشكيل حكومة مهدي جمعة كان غير مسبوق، فنحن في جبهة الانقاذ نريد توحيد كل القوى الديمقراطية والمعارضة التونسية حول مهمّات ملموسة وهو خلق خيارا شعبيا واسعا.
لكن البعض يرى انّ جبهة الانقاذ قد انتهت مهمّتها بتحقيق المسارين الحكومي والدستوري؟
ـ نعم كان مطلب جبهة الانقاذ الأساسي هو حكومة علي العريض والانتهاء من كتابة الدستور لكنني اعتقد انّ خارطة الطريق لم تحقّق بذلك الاّ جزءا بسيطا من أهدافها مثل مراجعة التعيينات التي تمت على أساس الولاء الحزبي وحلّ ما يسمّى بروابط حماية الثورة وتحييد المساجد وأيضا القانون الانتقالي.
ألا يمكن ان تتحوّل جبهة الانقاذ الى جبهة انتخابيّة؟
ـ ما يهمّنا هو تحقيق انجاح المسار الانتقالي ومواصلة توحيد قوى المعارضة حول هذه الغايات ونحن نعتقد ان جبهة الانقاذ هي جبهة سياسية وليست جبهة انتخابيّة.
وماذا عن الجبهة الشعبيّة التي ينتقدها البعض لأنّها وضعت يدها مع حركة نداء تونس ويتساءل آخرون عن مرشّحكم للرئاسيّات؟
ـ لقد وجدت الجبهة الشعبية كجبهة سياسيّة وانتخابيّة اثر فشل انتقالي ذريع تتحمل فيه جزءا كبيرا من المسؤولية وأمام هذه التحدّيات لا خيار لنا الاّ بكتلة موحّدة للنجاح في الانتخابات القادمة واما الحديث عن تقارب يجمعنا مع حرك نداء تونس ضمن اطار معيّن وهو جبهة الانقاذ من أجل تحقيق أهداف نتفق فيها ونطمح اليها فنحن لسنا في جبهة انتخابية تحمل نفس الفكرة ونفس المبادئ، اما الحديث عن تقارب بين النهضة ونداء تونس فنحن نرفضه رغم اننا نعلم ان قوى داخلية وخارجية تعمل على التقارب بينهما اما عن مرشّح الرئاسيات بالنسبة للجبهة الشعبية فنحن ميدانيا قد يكون مرشّحنا حمّة الهمامي وقد يكون شخصا آخر فمسألة الحسم في هذا الأمر يتمّ عبر المؤسسات وبعد التشاور بين مختلف مكونات الجبهة.
أنت نائب الأمين العام لحزب العمال لكنّك قليل الظهور اعلاميا ما السرّ في ذلك؟
ـ اسأل زملائك من الإعلاميين لكني اعتقد انّ اختياري البقاء في قفصة ابعدني عن أضواء الإعلام وهذا موقف مبدئي اخترته لأكون مطلعا على أوضاع المناطق الداخلية وان يكون السياسي اول من يكرّس للامركزيّة وأعتقد ان حزب العمال هو أول المبادرين لذلك باعتبار انّ نائب الأمين العام يقطن خارج العاصمة، ولكن اتمنّى ان تنسج بقية الأحزاب على ذلك لأنه اختيار القيادات الحزبية البقاء في العاصمة يتناقض مع أحد أهداف الثورة وهو القضاء على مركزية القرار لأنّي أؤمن أيضا انّه من حق المناطق الداخلية ان يكون لها قيادات أيضا.
أنت قادم من قفصة كيف هو الوضع هناك؟
ـ بصراحة وضعنا صعب فمعتمديات وارياف قفصة شأنها شأن بقية المناطق الداخلية التي كان لها دورها في الثورة لكن لم يكن لها من حظّ فيها سوى مزيد التهميش والقمع وبهذه المناسبة أدعو الحكومة الجديدة ان تضع حدّا لحملات الإيقاف والاستدعاءات ضدّ بعض الشبّان الناشطين في السدّ والقطار وأيضا المسارعة بمعالجة اضراب الجوع في المظيلة الذي يقوم به مجموعة من العمال العرضيين في أوضاع صحّية مزرية.
كلمة الختام؟
ـ أريد أن أحيي زوجتي الفاضلة التي ساعدتني كثيرا وتحملت معي مصاعب سنوات الجمر وبفضلها تمكنت بناتي الثلاث من النجاح في دراستهنّ فاحداهنّ صيدلانية والوسطى بصدد اعداد رسالة الدكتوراه في هندسة الطيران بأمريكا والصغرى بصدد مواصلة دراستها في الهندسة بفرنسا.
حاوره: عبد اللطيف العبيدي